قصة عزيمة على الأستمرار في الحياه
تشاد: قصة فتاة عزمت على الاستمرار في الحياة
محاسن فتاة عمياء تبلغ الثالثة عشرة من العمر. وقد تم مؤخراً بتر أحد ساقيها بعد أن أصيبت برصاصة أثناء هجوم على قريتها. وبالرغم من كل المصاعب, تمكّنت من الاستمرار في حياتها. وتتذكّر إيفون جانسين, العاملة في مركز تقويم الأطراف في اللجنة الدولية والتي اهتمت بها, الشجاعة والإرادة الصلبة التي تحلّت بهما هذه الفتاة لتتخطى هذه التجربة المرة
محاسن تشرح لوالدها كيف يمكنها أن تثني وتمد ركبتها.
ولدت محاسن حالو آدم في مدينة "آدري" في شرق تشاد منذ 13 عاماً وكانت عمياء منذ ولادتها. ترعرعت مع إخوتها الأربعة وأختها الوحيدة. وبما أنه كان من الصعب أن تلتحق بالمدرسة, مكثت في المنـزل تساعد أمها بالأعمال المنـزلية وتلعب مع الأطفال الآخرين في الجوار. وكانت تبقى دائماً بالقرب من المنـزل حتى لا تضيع.
وكانت حياتها اليومية شبه روتينية إلى هذا اليوم المشؤوم من شباط/فبراير 2007 عندما هجم المتمردون التشاديون على مدينة "آدري", وبدأ القتال العنيف مع تبادل النيران داخل المدينة وفي ضواحيها. وفقاً للمصادر الطبية, جُرح 150 شخصاً وقُتل 15 شخصاً آخر.
قُتل كل من والدة محاسن وأختها التي تبلغ 18 عاماً وأخوها الذي يبلغ 11 عاماً بطلقات نارية عندما أصيب منزلهم خلال الهجوم. وأصيبت محاسن بطلقة نارية في ساقها. لم يكن والدها وثلاثة من إخوتها في المنـزل عند حصول الهجوم. وعند عودته, وجد ابنته واهنة تجهش بالبكاء, وهي على غير علمٍ بما جرى.
لم تسمع إلا إطلاق النار وصراخ الناس المخيف. لم يكن باستطاعتها أن تشعر بساقها. نقلها والدها إلى المستشفى في "آدري" حيث تم بتر الساق فوق الركبة. بقيت في المستشفى لحين التئام الجرح. غالباً ما كانت تتحدث مع أبيها عن كل ما فقدته سواء ساقها أو أمها أو أختها أو أخيها. كيف يمكنها تحمّل ذلك؟
تمت إحالتها في المستشفى إلى اللجنة الدولية التي نقلتها إلى مركز لتقويم العظام في العاصمة "ندجامينا" لإيجاد طرف اصطناعي لها في تموز/يوليو 2007. كنت أعمل طبيبة في العلاح الطبيعي مع اللجنة الدولية في المستشفى عندما التقيت بها وبوالدها الذي أخبرني قصتهما.
عندما رأيتها للمرة الأولى, حسبت أنها متخلفة عقلياً إذ أنها كانت تفتقد إلى التوازن وتنظر بشكل مستمر إلى الأعلى. ولم يكن الناس من حولها بخير مساعد فالكل من حولها يتكلمون ويقولون لها ما يجب القيام به. ثم أيقنت أنها عمياء. بالطبع, إن إعاقتها البصرية جعلت خطواتها الأولى مع الطرف الاصطناعي صعبة بعض الشيء, وعدم إدراكها فعلاً لمهمة هذا الطرف كان يزيد الأمر صعوبة.
بدأت أساعدها على الإمساك بطرفها الاصطناعي حتى تتكيّف وهذا الواقع الجديد, إلى جانب العصا المتوازية التي بدأت تستخدمها للمشي مجدداً. وكانت تتحلى بقدرٍ كبير من الشجاعة لدرجة أنها استمرت في التمارين واستطاعت, بفترة يومين, التنقل والجلوس والوقوف لوحدها. ومن خلال لمس الحزام الذي يثبّت الطرف الاصطناعي والمربوط حول كتفها, تعلّمت كيف تفتح وتغلق المشبك.
كما تعلّمت أن تسمع الصوت الذي يصدره المشبك للتأكد من أنه مغلق والاستماع بتنبه إلى صوت المزلاج لثني وبسط ركبتها, بالإضافة إلى صوت المشبك عند عملية الامتداد متى بدأت بالمشي. وبذلك, تعلّمت كيف تضع وتنـزع الطرف الاصطناعي بنفسها. تأثرتُ كثيراً عندما شرحت لوالدها بفخر كيف أصبح بإمكانها أن تجلس وتقف وتضع الطرف الاصطناعي وتنـزعه.
إن عزم محاسن على العناية بنفسها كان كبيراً لدرجة أنها عاودت حياتها الروتينية, لدى عودتها إلى المنـزل, وحتى أنها اهتمت بأخيها الصغير الذي يبلغ الخامسة من العمر. إن شجاعتها هي بمثابة بركة حلّت على والدها المتعب من الحياة التي كرّسها للعمل في الحقول. إنه حزين جداً وهو يواجه المشقة في مواجهة هذا الوضع.
ما جرى ليس بحادثٍ بل هو عمل وحشي ومريب: لقد قُتل نصف أفراد العائلة وفقدت فتاة عمياء ساقها وتُرك أبٌ على سجيته ليعيل عائلته بمفرده.
ولكن, بالرغم من كل هذه المشقة, إن محاسن في حالة جيدة. وهي ممتنة للدعم الذي تلقته حتى تكمل حياتها, بالرغم من المصيبة التي حلّت بها وتركت آثارها على جسدها وروحها. محاسن ليست فتاة عادية... بل هي شخص مذهل وملهم والقوة الكبيرة التي تتحلّى بها ترسم ابتسامة على محيّاها مع كل خطوة تخطوها.
اتمنى ان ارى مثل هذه العزيمه تتواجد دخلنا بس...
نعيب زماننا والعيب فينا