بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الحق تبارك وتعالى : " لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ".
ويقول عز وجل: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ".سورة النساء.
ومعلوم أن ربنا عز وجل قد خلق أبانا آدم عليه السلام بيده، ودليل ذلك قوله تعالى "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين"
قال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء "فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن" قالوا : معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام وهذا مناسب ، فإن الله قد خلق آدم بيده الكريمة ونفخ فيه من روحه ، فما كان الله ليخلق إلا أحسن الأشياء..
كذلك ورد في الصحيحين "أن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن " ونستطيع أن نقيس على الطول الحسن، فهو في تناقص بين الخلق لأنه يتوزع بينهم..
ماسبق كان تمهيد مبسط للتعريف ببداية خلق الإنسان ، ومقدمة لآية كريمة أود أن نتأملها سوياً ونتشارك في معناها وخباياها ؛ فالقرآن معجزة نبينا الخالدة ؛ معين لاينضب من العبر والدروس والمعاني ، نسال الله أن يرزقنا فهمه وتلاوته وتدبره وتطبيقه..
والآية التي استوقفتني اليوم ، هي قول الله عز وجل : " أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ".. الزخرف آية18
من هو الذي ينشأ في الحلية.؟!
ولم كان لا يبين في الخصومة ..؟؟
ما معنى : ينشأ في الحلية ، وغير مبين..؟؟
أولا: سنورد بعض أقوال المفسرين رحمهم الله تعالى ليتجلى المعنى أكثر..
عند ابن كثير..
أَيْ الْمَرْأَة نَاقِصَة يَكْمُل نَقْصهَا بِلُبْسِ الْحُلِيّ مُنْذُ تَكُون طِفْلَة وَإِذَا خَاصَمَتْ فَلَا عِبَارَة لَهَا بَلْ هِيَ عَاجِزَة عَيِيَّة أَوَمَنْ يَكُون هَكَذَا يُنْسَب إِلَى جَنَاب اللَّه الْعَظِيم ؟ فَالْأُنْثَى نَاقِصَة الظَّاهِر وَالْبَاطِن فِي الصُّورَة وَالْمَعْنَى فَيَكْمُل نَقْص ظَاهِرهَا وَصُورَتهَا بِلُبْسِ الْحُلِيّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِيُجْبَر مَا فِيهَا مِنْ نَقْص كَمَا قَالَ بَعْض شُعَرَاء الْعَرَب وَمَا الْحُلِيّ إِلَّا زِينَة مِنْ نَقِيصَة يُتَمِّم مِنْ حُسْن إِذَا الْحُسْن قَصَّرَا وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْجَمَال مُوَفَّرًا كَحُسْنِك لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يُزَوَّرَا وَأَمَّا نَقْص مَعْنَاهَا فَإِنَّهَا ضَعِيفَة عَاجِزَة عَنْ الِانْتِصَار عِنْد الِانْتِصَار لَا عِبَارَة لَهَا وَلَا هِمَّة كَمَا قَالَ بَعْض الْعَرَب وَقَدْ بُشِّرَ بِبِنْتٍ مَا هِيَ بِنِعْمَ الْوَلَد نَصْرهَا بُكَاء وَبِرّهَا سَرِقَة .
ثانياً: ابن جرير الطبري..
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَمَنْ يَنْبُت فِي الْحِلْيَة وَيُزَيَّن بِهَا { وَهُوَ فِي الْخِصَام } يَقُول : وَهُوَ فِي مُخَاصَمَة مَنْ خَاصَمَهُ عِنْد الْخِصَام غَيْر مُبِين , وَمَنْ خَصَمَهُ بِبُرْهَانٍ وَحُجَّة , لِعَجْزِهِ وَضَعْفه .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْجَوَارِي وَالنِّسَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23804 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوَمَنْ يُنَشَّأ فِي الْحِلْيَة وَهُوَ فِي الْخِصَام غَيْر مُبِين } قَالَ : يَعْنِي الْمَرْأَة . 23805 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ مَرْثَد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحَرِير وَالذَّهَب ..
وهنا تفسيرمختصر للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى رداً على سائلة تقول..
السؤال: فضيلة الشيخ.. ما معنى قول الله عز وجل: "أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ " وهل من توجيه للشباب الذين يتزينون بمخالفة السنة ووضع الشعر على الوجه والتكسر كما تتكسر النساء؟
معنى الآية الكريمة: أن الله تعالى ينكر على المشركين؛ لأن المشركين جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً، وقالوا: الملائكة بنات الله، فاختاروا لله تعالى ما يكرهون واختاروا لأنفسهم ما يشتهون، جعلوا البنين لهم والبنات لله، فيقول الله عز وجل: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]
يعني: كمن لا يحتاج إلى ذلك، من الذي لا يحتاج إلى ذلك؟ الإنسان الذكر. أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ [الزخرف:18] هذا وصف وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]
وصف آخر، من الذي يتحقق فيه هذان الوصفان؟
المرأة الأنثى، الأنثى تنشأ في الحلية، ويستجلب لها أنواع الحلي لتتزين بها، وأنواع الثياب، ولهذا جعل الله تعالى لها من الثياب ما تتحلى به وحرمه على الرجال مثل الحرير، فالحرير حرام على الرجال حلال للنساء؛ لأن المرأة مسكينة، تحتاج إلى أن تتجمل به، تحتاج إلى شيء تتحلى به، الرجل رجل يكفيه وصف الرجولية عن كل شيء. وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]
المرأة في الخصام هل خصامها مبين أو ضعيف؟ ضعيف؛ ويندر أن تلقى امرأة مثل الرجال في خصامها، فينكر الله عز وجل على هؤلاء المشركين الذين جعلوا لله عز وجل الناقص من الصنفين وجعلوا لأنفسهم الكامل. انتهى ..
هنا اقول ..
أستنتج مما سبق أمرين - قابلة للنقاش – في مسألة الجمال ..
أولهما: أن جمال المرأة ناقص من غير" حلي" فهي تحتاجها لتكمل زينتها بها ، كالكحل والحناء والذهب والحرير والمجوهرات ، وما استحدث في العصور الحديثة من أدوات للزينة – المباح منها فقط - تعتبر مكملة لجمال المرأة أيضاً، ويقابله الزينة المفرطة فهي نقص وقبح ، والوسط والاعتدال رأس الكمال.
ومما يؤخذ على بعض الرجال تذمرهم من اهتمام المرأة بزينتها وجمالها وهو فطرة جُبلت عليها بتأكيد من خالقها تبارك وتعالى ، فكيف تنهاها عن طبيعتها ، ولو أن رجلاً رأى امرأة شعثاء غبراء لا كحل ولا زينة لشبهها بالرجال..
ثانيهما : أن الله خلق الرجل مكتمل الخلقة – وليس معنى ذلك أنه أجمل منها -، فهو لايحتاج لهذه الزينة التي تضره أكثر مما تنفعه ، لذا حرم الله الذهب والحرير على الرجال ، كذلك لو وجدت رجلاً متجملاً بزينة النساء لانتقصت من قدره ورجولته ، وقد يوصف بالتخنث والميوعة.
وهذا موجود ومشاهد في وقتنا الحالي ، بين فئة الشباب كتقليد أعمى للنجوم والمشاهير، وهو منظر تستقبحه العين ولا تقبله النفس ، والمرأة بطبعها تحب الرجل خشناً قوياً في مظهره كما في فعله ، لا متخنعاً متميعاً..
أما مسالة الخصومة وعدم قدرة المرأة على البيان فإني وجدت هاهنا تفسيراً واضحاً وشافياً للشيخ صالح بن عواد المغامسي – حفظه الله - استغني به عن أي شرح وتفصيل قد لا أوفق في طرحه..
حيث يقول في برنامجه محاسن التأويل..
((أومن ينشَّــأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ))يستفاد من هذه الآية أن الأصل في النساء أنهن يتجملن, والأصل في الرجل ألا يتجملون.
فالزينة أليق بربات الحجال وأبعد عن الرجال (هذه واحدة.)
قول الله جل وعلا: (( أومن ينشأ )) يعني يربى (( في الحلية ))أي في الزينة
((وهو في الخصام ))هذا قيد في ظني لا بد منه (( وهو في الخصام غير مبين ))
متى يكون غير مبين؟ في الخصام ليس على إطلاقه.
لا يقدح في المرأة على إطلاقه, لكن المقصود من الآية أنكم نسبتم إلى الله من لو خاصم بقوله لما غلب, فكيف يغلب في الحروب.
نعود فنقول:
إنه (( وهو في الخصام غير مبين )) وهو في الخصام قلنا قيد لابد منه.
لماذا قلنا قيد لا بد منه؟
لأننا نعلم ضرورة أن في النساء فصيحات بليغات شاعرات, والقرآن لا يمكن أن يخالف الواقع, فالواقع أعظم الشهود, وقد قال معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه في حق أم المؤمنين عائشة أنها كانت فصيحة أنها كانت فصيحة بليغة, وأنها ما فتحت بابا وشاءت أن تغلقه خطابا إلا فعلت, ولا أغلقت بابا وشاءت أن تفتحه خطابا إلا إلا فعلت.
ولئن قلنا إن المرأة لا تبين ولا تفصح ولا تُفهم , فكيف نقول في الأحاديث التي روتها صحابيات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينجم عن هذا القول وحمل هذا الراي إلى هدم كثير من السنة .
لكن نقول أن التعبير القرآني جاء مقيدا.
قال الله جلا وعلا (( أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ))
أما في غير الخصام قد يكون مبين .
مثلا :أحيانا قد يكون الحديث – إن كان هذا في الأفراد - الإمام مسلم رحمة الله عليه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( لا إله إلا الله ويل لعرب من شر قد اقترب فتح اليوم ...))إلى آخر الحديث
حديث اجتمع في سنده أربع صحابيات
اثنتان زوجتان للنبي صلى الله عليه وسلم
من هما ؟
أم حبيبة و زينب بنت جحش
واثنتان من ربائبه صلى الله عليه وسلم
من هما؟
حبيبة وزينب بنت سلمة
حتى الأسماء تدور في فلك زينب وحبيبة
زينب بنت جحش , أم حبيبة ,حبيبة,وزينب بنت أبي سلمة
وهذا حديث مثلا في سنده أربع صحابيات
لو قلنا أن الآية على اطلاقها لوقفنا ضعفاء في قبول هذا الحديث
لكن نقول أن الله قيد ويجب اعتبار قيد القرآن
يقول الله جلا وعلا ((أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين))
ينجم من هذا الأمر فقهيا أن الأصل في زينة النساء الإباحة .
إلا ماستثناه الشرع نصاً في زينة النساء يترك ويجتنب للنهي الشرعي
وما لم يأتي نص شرعي به يبقى على أصله ويأخذ بعموم هذه الآية ..