منذ أيام قليلة احتفلنا بعيد الأسرة .. و بخصوص هذا العيد فأن القلوب و الأحاديث تشير دوما علي أنه عيد الأم و الطفل و القصم الثالث في هذه الثلاثية المتلاحمة و هو الأب فغالبا لا يذكر أحد بأن الأب يجب أن يكون له عيد كعيد الأم يحتفي به في كل عام .
الأب ذلك الصديق العزيز دوما و المتفاني دائما في سبيل أسرته فماذا يقال عن الأب هو الإحساس بالأمان و الطمأنينة هو الحاني الرقيق و المتفاهم لكل ما يصبنا من مصاعب في الحياة فما هو الأب هو الذهول عندما تكون الدنيا كما نشتهي هو كما جدول صافي رقيق يسيل داخل دروب حياتنا بهدوء و رقة شئ صادق كصدق الروح عندما تعدها الأشياء بالحضور أنه الحب الذي يوازي لحظة الصمت التي يعقبها غناء الاطمئنان فالكأنك ملكت العالم و أصبحت سيده و أن الدنيا تضحك لك وحدك دون قلق
يقال بأن (( كل فتاة بأبيها مغرمة )) و لكن دور الأب في الأسرة لا يقف علي حب الفتاة المفرط لوالدها و تعلقها الشديد به .. فاللأباء دور فعال في بناء الشخصية و الثقة و الوقفة الجادة لمواجهة الحياة .
أن أهمية دور الأب في صقل شخصيات الأبناء و التعلق الشديد به من شانه أن يكون جسر لشخصية الابن الذي دوما يفخر بأبيه و تصبح كل حركة صادرة عن أبيه موعظة و حكمة يقول الشاعر نزار قباني :ــ
حملتك في صحو عيني حتى
تهيأ للناس أني أبي
أشبهك حتى بنبرة صوتي
فكيف ذهبت و لازلت بي
ففي حكاية من الحكايات القديمة التي تعتبر أحد الشواهد علي مصدر الفخر بالأب إن أعرابية كانت تلاعب طفلها الصغير بين يديها و تدله بقولها :ــ
كن كأخي أو كأباك
أما أبي فدونك ذاك
فهذا البيت يبين مقدار تقدير الابنة لوالدها لدرجة حتى ابنها لا يستطيع أن يكون كأبيها بكل ماله من عظمة و حب و تقدير .
لقد بحثت كثيرا قبل أن أكتب هذا المقال عن الأب و دورة في حياة أبناءه و المدهش أن أغلب القصائد التي و جدتها هي عبارة عن مرثيات للإباء و هذا لا يعتبر عيبا لأن هذه المرثيات تبين الأهمية الشديدة للأب في حياة هؤلاء الأبناء لدرجة عدم تصديقهم لموته الفعلي .. فهو يحيا دوما داخل أطار حياتهم الخاصة كما لو أنه موجود في هذه الدنيا .
و الأدلة كثيرة نجد كثير من الشعراء أمثال القروي صلاح عبد الصبور نزار قباني محمود درويش غادة السمان و غيرهم قد كتب مراثي لآبائهم تعتبر من أصدق ما كتبوا عن الإحساس و الحاجة و الفقد لأعز عزيز .
ففي قصيدة نزار القباني كل التفاصيل عن أبيه و عدم تصديقه دوما لموت أبيه فحتى القصائد التي كان يبعث بها لأمه كأن لابد أن يشير بوجود أبية برغم من يقينه بموته ففي قصيدة له بعنوان (( أبي ))
أمات أبوك ؟ ضلال ، أنا لا يموت أبي
ففي البيت منه ، روائح رب .. و ذكري نبي
فيستمر في تفاصيل يوميات أبيه أين كان يجلس كيف يقراء كيف ينام الي جانب أشياءه الخاصة من نظارته و تبغه و يؤكد علي بقاء طيف أبيه فيقول
أشد يديه ، أميل عليه
أصلي علي صدره المتعب
أبي لم يزل بيننا و الحديث
حديث الكؤوس علي المشرب
نعود لحديثنا عن الأب و رغبتنا بعيد له نفرح به وهو بيننا قبل أن يتركنا و نكتب كذلك نحن المرثيات من أجله فيوم للطفل و يوم للأم و كافة الأيام هي عيد للأب .
يؤسفني أن أكتب هذه الأسطر و لايقرءها أبي و لكن هذا مادرجت عليه العادة و هي الاحتفاء بلأباء بعد موتهم