واقع التحكيم الالكتروني في فلسطين
لقد أصدر المجلس التشريعي عدة قوانين فلسطينية، وكانت هذه القوانين بمثابة إطار عام يدخل تحت مظلته مسألة تنازع القوانين في فلسطين فهنالك قوانين مطبقة في الضفة الغربية وأخرى في مطبقة في قطاع غزة، لذا حاول المجلس التشريعي بالتعاون مع ديوان الفتوى والتشريع التابعة لوزارة العدل، صياغة مشاريع قوانين يجمع بين الخصائص المشتركة لكلا القوانين المطبقة في الضفة وقطاع غزة حيث اخذ المشرع الفلسطيني على عاتقه توحيد القوانين في شطري الوطن، وكان موفقا نوعا ما بشأن هذه المسألة.
وفي سنة 2000 أصدر المجلس التشريعي قانون التحكيم رقم (3) لسنة 2000، وهذه الخطوة تعتبر بداية مرحلة جديدة، حيث أن الشعب الفلسطيني لم يستفيق من عافيته إلا من جديد.
وعليه فدراستي لهذا المبحث الذي بعنوان واقع التحكيم الالكتروني في فلسطين من خلال دراسة قانون التحكيم في فلسطين، ومن خلاله سنجيب على التساؤلات حول واقع التحكيم في فلسطين، وهل المشرع الفلسطيني أخذ بالتحكيم العادي أم الالكتروني في قانون التحكيم رقم (3) لسنة 2000؟
ومدى ملائمة البيئة الفلسطينية (الإرث الثقافي واللغوي ) لمثل هذه الخطوة (إصدار قانون تحكيم في فلسطين)؟
وتأسيساً لما سبق سنقوم بدراسة هذا الموضوع وفق الأسس والمنهجية القانونية التالية:
المطلب الأول: دراسة لقانون التحكيم الفلسطيني رقم (3) لسنة 2000.
المطلب الثاني: التوصيات المقترحة.
المطلب الأول
دراسة لقانون التحكيم الفلسطيني رقم (3) لسنة 2000
بداية سأقوم بدراسة نقضّيه هذا القانون وهو بصورته الحالية، وسأقوم بمعالجة بعض النصوص الغامضة وبعدها ستضح لنا صورة التحكيم في القانون هل هو بالصورة العادية أم الالكترونية.
بداية لقد ذكر المشرع الفلسطيني في بداية القانون بالنص التالي "رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، بعد الإطلاع على قانون التحكيم لسنة 1926...." أصدرنا ما يلي:
هنا المشرع كان موفقاً للغاية حيث استند في صياغة هذا القانون لمجموعة من القوانين التحكيم السابقة، بمعنى المشرع الفلسطيني استند إلى قاعدة -قوانين سابقة- في صياغة هذا القانون.
-الفصل الأول- حسب قانون التحكيم
تعار يف وأحكام عامة
مادة (1)
في مادة التعاريف ذكر المشرع الفلسطيني مصطلح الوسائل البديلة لحل النزاع( ) وعرفها بأنها وسيلة لفض نزاع قائم بين أطرافه وذلك بطرح النزاع أمام هيئة تحكيم للفصل فيه.
يوجد في هذا التعريف إشارة واضحة من المشرع إلى الأخذ بالتحكيم العادي وليس التقليدي عندما تحدث عن اللجوء لهيئة التحكيم، فلو افترضنا جدلاً بأن المشرع الفلسطيني أخذ بالتحكيم الالكتروني، لكان أولى أن يتحدث عن اللجوء لمراكز تحكيم معينة وليست هيئة تحكيم.
مادة (2) ( )
في هذه المادة المشرع الفلسطيني تحدث عن التحكيم بأنه يطبق على أشخاص طبيعيين أو اعتباريين يتمتعون بالأهلية القانونية، وهذا مشابه للتحكيم الالكتروني من حيث طبيعة الشريحة المطبق عليها هذا التحكيم وهي الأشخاص الطبيعيين والمعنويين فكان المشرع الفلسطيني موقفاً بذلك.
مادة (3) ( )
في هذه المادة تحدث المشرع الفلسطيني عن تقسيمات التحكيم وذكر بأن التحكيم قد يكون محلياً أو دولياً بحسب طبيعة النزاع، وفي رأيي بأن هذا التقسيم لا يصلح تطبيقا على التحكيم الالكتروني لأن التحكيم الالكتروني يكون عبر الانترنت وهناك مراكز تحكيم يوجد لها Website على الانترنت، يستطيع أي شخص عرض النزاع عليها، فمراكز التحكيم بالنسبة للبيئة الفلسطينية دائما دوليه.
مادة(4) ( )
نص المشرع الفلسطيني على عدة استثناءات لتطبيق هذا القانون، وهذه الحالات ذكرها المشرع حصرا وليس على سبيل المثال، وهي المسائل المتعلقة بالنظام العام، المسائل التي لا يجوز فيها الصلح قانونا، والمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية، وفي رأيي بأن هذا يليق بالتحكيم العادي وليس الالكتروني.
مادة (5) ( )
نص المشروع الفلسطيني فيها بشروط اتفاق التحكيم وهي مشابه نوعاً ما، لاتفاق التحكيم الالكتروني فالمشروع الفلسطيني هنا كان موفقاً.
مادة (7) ( )
اشارة في غاية الوضوح لأخذ المشرع الفلسطيني في قانون التحكيم الفلسطيني لسنة 2000 بالتحكيم التقليدي وليس الالكتروني بقوله اللجوء للمحكمة وليس اللجوء لمراكز تحكيم.
الفصل الثالث
هيئة التحكيم( )
جميع مواد هذا الفصل ابتداء من المادة (9-19) كلها تتحدث عن تشكيلة هيئة التحكيم وصلاحياتها وواجباتها وهذا مناف لمبدأ الذي يقوم عليه التحكيم الالكتروني.
الفصل الرابع
إجراءات التحكيم( )
جميع مواد هذا الفصل ابتداء من المادة (20-34) تتكلم عن اجراءات التحكيم العادي أو التقليدي، ولم تشر بطريقة أو أخرى للتحكيم الالكتروني موضوع الدراسة.
الفصل الخامس
قرار التحكيم والطعن فيه( )
عاود المشروع الفلسطيني مرة أخرى وتحدث عن التحكيم العادي تحت بند قرار التحكيم والطعن فيه المواد من (35-53)، فهذا ليس مقبولاً في التحكيم الالكتروني من حيث طرق الطعن، فلا يوجد طعن في قرار تحكيم صادر عن مركز تحكيم أمام المحاكم، لكن التحكيم الالكتروني منح الأطراف فرصة أخره بتقديم طلب تسوية نزاع – مصالحة- قبل صدور قرار التحكيم الالكتروني وهذا مقبولاً نوعاً ما.
الفصل السادس
أحكام ختامية( )
ذكر في هذا الفصل مجموعة من الأحكام الختامية مثل:
أ- صلاحية مجلس الوزراء في إصدار اللوائح التنفيذية والقرارات اللازمة لتنفيذ مضمون هذا القانون بما في يفسر بعض المصطلحات الغامضة فيه.
ب- بند الإلغاء في نص المادة (57)، حيث يلغي كل ما يتعارض مع أحكام هذا القانون.
المطلب الثاني
التوصيات والمقترحات
لقد أصدر المشرع الفلسطيني قانون التحكيم الفلسطيني رقم (3) لسنة 2000، وألغي بموجبه كافة القوانين التحكيم السابقة، ولقد سار هذا القانون على هدي القانون النموذجي الصادر عن لجنة الأمم المتحدة وأنظمة التحكيم الدولية المختلفة وخاصة قانون التحكيم المصري لسنة 1994م، وقانون التحكيم الأردني 1957م كما هو واضح من نص المواد المذكورة في القانون.
وأهم التوصيات المقترحة للمشرع الفلسطيني.
1. ليس عيباً من المشرع الفلسطيني أن يستورد مجموعه من القوانين العربية والغربية ويقوم بصياغة قانون فلسطيني كالتحكيم مثلا، ولكن يجب عليه الانتباه أكثر إلى خصوصية وطبيعة البيئة الفلسطينية ومدى ملائمة هذه القوانين للبيئة الفلسطينية، فالأصل على المشرع أن يكيف هذه القوانين المستوردة بما يتلاءم ويليق مع البيئة الفلسطينية.
2. الأصل لو خير المشرع الفلسطيني بالأخذ من قوانين الدول العربية، فإنني أرى لو أن المشرع الفلسطيني سار على هدي القانون الأردني لكان ذلك أفضل بكثير، خاصة أن القوانين الأردنية بلا شك أكثر توافقاً مع بيئتنا الفلسطينية.
3. الأصل على المشرع الفلسطيني أن يضع تعاريف واضحة المعالم في أي مشروع قانون وألا يضعها كما هي واردة في النسخة المستوردة، والملاحظ للقوانين الفلسطينية غموض بعض النصوص وخاصة بند التعريفات.
والأصل أن تكون هذه التعريفات من قبل فنيين وخبراء لأن الشكلية لها دور كبير جداً في هضم مواد القانون ورونقها.
4. من خلال دراستي لقانون التحكيم الفلسطيني سنة 2000، لم أجد فصلاً أو حتى بندا يتعلق بالعقوبات في حالة مخالفة نصوص هذا القانون فالأصل أن يضع المشرع الفلسطيني بندا يوضح فيه العقوبات بحديها الأدنى والأقصى وليس كما فعل مشروع قانون المبادلات والتجارة الالكتروني حيث ذكر في بعض الأحيان الحد الأدنى للعقوبة وفي بعض الأحيان ذكر الحد الأعلى للعقوبة.
5. قانون التحكيم الفلسطيني رقم (3) سنة 2000، جملة وتفصيلاً، يتحدث عن التحكيم العادي أو التقليدي ولم يشير بصورة أو أخرى إلى الأخذ بالتحكيم الالكتروني في المستقبل وهذا خطأ فادح ارتكبه المشرع.
6. على الرغم من العيوب التي تعتري معظم القوانين الفلسطينية ومنها قانون التحكيم على سبيل المثال، ورغماً من الأخطاء التي ارتكبها المشرع الفلسطيني ولم يعالجها فيما بعد، إلا أنه في رأيي مجرد إصدار مثل هذه القوانين تعتبر بمثابة عهد جديد وإلى الأمام، فالشعب الفلسطيني لم يستفيق من عافيته إلا من جديد.